الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عمدة السالك وعدة الناسك
.[تفريقُ الصفقةِ وتعددها]: وإنْ جمعَ في عقدينِ مختلفي الحكمَ، مثلَ بعتُكَ عبدي وآجَرتُكَ داري سنةً بكذا، أوْ زوجتُكَ ابنتي وبعتُكَ عبدَها بكذا، صحَّ وقُسِّطَ العِوضُ عليهما. .فصل [ردُّ المبيعِ بالعيبِ]: وضابطُهُ: ما نقصَ العينَ أو القيمةَ نُقصاناً يفوتُ بهِ غرضٌ صحيحٌ، والغالبُ في مثلِ ذلكَ المبيعِ عدمُهُ. فيُردُّ إنْ بانَ العبدُ خِصيَّاً، أوْ سارقاً، أوْ يبولُ في الفراشِ وهوَ كبيرٌ، فلوِ اطلعَ على العيبِ بعدَ تلفِ المبيعِ تعيَّنَ الأرشُ، أوْ بعدَ زوالِ المِلكِ عنهُ، ببيعٍ أوْ غيرهِ لمْ يكنْ لهُ طلبُ الأرشِ الآنَ، فإنْ رجعَ إليهِ بعدَ ذلكَ فلهُ الردُّ. وإنْ حدثَ عندَ المشتري عيبٌ آخرُ، مثلُ أنْ يفتضَّ البِكْرَ، تعيَّنَ الأرشُ وامتنعَ الردُّ، فإنْ رضيَ البائعُ بالعيبِ لمْ يكنْ للمشتري طلبُ الأرشِ، فإنْ كانَ العيبُ الحادثُ لا يُعرفُ العيبُ القديمُ إلا بهِ، ككسرٍ البِطِّيخِ والبيضِ ونحوهما لمْ يمنعِ الردَّ، فإنْ زادَ على ما يمكنُ المعرفةُ بهِ فلا ردَّ. وشرْطُ الردِّ أنْ يكونَ على الفورِ، ويُشهِدَ في طريقهِ أنَّهُ فسخَ، فلوْ عرفَ العيبَ وهوَ يصلي، أوْ يأكلُ، أوْ يقضي حاجةً، أوْ ليلاً، فلهُ التأخيرُ إلى زوالِ العارضِ، بشرطِ تركِ الاستعمالِ والانتفاعِ، فإنْ أخَّرَ متمكناً، سقطَ الردُّ والأرشُ. .[حكم التصريةِ]: .فصلٌ [في بيعِ الثمارِ]: وإن باعَ الشجرةَ وثمرتها جازَ منْ غيرِ شرطِ القطعِ، والزرعُ الأخضرُ كالثمرةِ قبلَ بدوِّ الصلاحِ، لا يجوزُ إلا بشرطِ القطعِ، وبعدَ اشتدادِ الحبِّ يجوزُ مطلقاً، ولا يجوزُ بيعُ الحبِّ في سُنبلِهِ، ولا الجوزِ واللوزِ والباقلا الأخضرِ في القشْرينِ. .فصل [قبضُ المبيعِ وضمانهُ]: وإذا اشترى شيئاً لم يجزْ أنْ يبيعهُ حتى يقبضَهُ، لكنْ للبائعِ إذا كانَ الثمنُ في الذِّمَّةِ أن يستبدلَ الحيوانُ مأكولاً، ويُلحقُ بالتَّصْريةِ في الردِّ تحميرُ وجهِعنهُ قبلَ قَبْضهِ، مثلَ أنْ يبيعَ بدراهمَ فيعتاضَ عنها ذهباً، أو ثوباً، ونحوَ ذلكَ. والقبضُ فيما يُنقلُ بالنَّقلِ، مثلُ القمحِ والشعيرِ، وفيما يُتناولُ باليدِ التناولُ، مثلُ الثوبِ والكتابِ، وفيما سواهما التخليةُ، مثلُ الدارِ والأرضِ. فلو قالَ البائعُ: لا أسلِّمُ المبيعَ حتى أقبضَ الثمنَ، وقالَ المشتري: لا أسلِّمُ الثمنَ حتى أقبضَ المبيعَ. فإن كانَ الثمنُ في الذِّمَّةِ، أُلزمَ البائعُ بالتسليمِ أولاً، ثمَّ يُلزَمُ المشتري بالتسليمِ، وإن كانَ الثمنُ معيَّناً أُلزِما معاً، بأن يُؤمرا فيسلِّما إلى عدلٍ، ثمَّ العدلُ يعطي لكلِّ واحدٍ حقَّهُ. .فصلٌ [اختلافُ المتبايعين في كيفيةِ العقدِ]: فلو ادعى أحدُهما شيئاً يقتضي أنَّ البيعَ وقعَ فاسداً وكذَّبهُ الآخرُ، صُدِّقَ مدعي الصحَّةِ بيمينهِ، ولو جاءهُ بمَعيبٍ ليردَّهُ، فقالَ البائعُ: ليس هو الذي بعتُكَهُ، صُدِّقَ البائعُ بيمينهِ، ولو اختلفا في عيبٍ يمكنُ حدوثُهُ عندَ المشتري، فقال البائعُ: حدثَ عندكَ، وقال المشتري: بلْ كانَ عندكَ، صدّق البائعُ بيمينهِ. .بابُ السَّلَمِ: أحدُها: قبضُ الثمنِ في المجلسِ، وتكفي رؤيةُ الثمنِ وإنْ لمْ يُعرفْ قدرُهُ. والثاني: كونُ المُسْلَمِ فيهِ دَيناً، ويجوزُ حالاًّ، ومؤجلاً إلى أجلٍ معلومٍ، فلوْ قالَ: أسلَمْتُ إليكَ هذهِ الدراهمَ في هذا العبدِ لمْ يجزْ. الثالثُ: إذا أسلَمَ في موضعٍ لا يصلحُ للتسليمِ مثلَ البريَّةِ، أوْ يصلحُ لكنْ لنقلهِ إليهِ مؤنةٌ، اشتُرطَ بيانُ موضعِ التسليمِ. وشروطُ المسلَمِ فيهِ: 1 - كونُهُ معلومَ القدْرِ كيلاً أوْ وزناً أو عدداً أوْ ذَرعاً، بمقدارٍ معلومٍ، فلوْ قال زِنةُ هذهِ الصخرةِ، أوْ ملءَ هذا الزنبيلِ، ولا يُعرفُ وزنها، ولا ما يسعُ الزنبيلُ لمْ يصحَّ. 2 - أن يكونَ مقدوراً عليهِ عندَ وجوبِ التسليمِ، مأمونَ الانقطاعِ، فإنْ كانَ عزيزَ الوجودِ، كجاريةٍ وبنتها، أوْ لا يُؤمَنُ انقطاعُهُ كثمرةِ نخلةٍ بعيْنها، لمْ يجُزْ. 3 - أنْ يمكنَ ضبطُهُ بالصفاتِ، كالأدقَّةِ، والمائعاتِ، والحيوانِ، واللحمِ، والقطنِ، والحديدِ، والأحجارِ، والأخشابِ، ونحوِ ذلكَ. فيُشترطُ ضبطُهُ بالصفاتِ التي يختلفُ بها الغرضُ، فيقولُ مثلاً: أسلمتُ إليكَ في عبدٍ تركيٍّ، أبيضَ، رباعيَّ السنِّ، طولُهُ وسمنُهُ كذا، ونحوِ ذلكَ. فلا يجوزُ في الجواهرِ، والمختلطاتِ كالهريسةِ والغاليةِ والخِفافِ، وكذا ما اختلف أعلاهُ وأسفلُهُ كمنارةٍ وإبريقٍ، أوْ ما دخلتهُ نارٌ قويةٌ كالخبزِ والشواءِ، إذ لا يمكنُ ضبطُ ذلكَ بالصفةِ. ولا يجوزُ بيعُ المسْلَمِ فيهِ قبلَ قبضهِ، ولا الاستبدالُ عنهُ، وإذا أحضرهُ مثلَ ما شَرَطَ، أو أجودَ، وجبَ قبولُهُ. .فصلٌ [في القرضِ]: وإنْ أقرضَهُ ثم لقيَهُ ببلدٍ آخرَ فطالبهُ لزمهُ الدفعُ، إنْ كانَ ذهباً أو فضةً ونحوهما، وإن كان لحملهِ مؤنةٌ نحو حنطةٍ وشعيرٍ فلا، بل تلزمهُ القيمةُ. .بابُ الرهنِ: وشرطُ المرهونِ أن يكونَ عيناً يجوزُ بيعُها، ولا ينفكُّ من الرهنِ شيءٌ حتى يقضيَ جميعَ الدَّينِ، وليسَ للراهنِ أن يتصرفَ فيهِ بما يُبطلُ حقَّ المُرْتَهِن كبيعٍ وهبةٍ، أو ينقصُ قيمتَهُ كاللبس والوطءِ، ويجوزُ بما لا يضرُّ كركوب وسُكنى، ولا يجوزُ رهنُهُ بدَين آخرَ ولو عندَ المرتَهِن، وعلى الراهنِ مؤونةُ الرهنِ، ويُلزَمُ بها صيانةً لحق المرتهِن، ولهُ زوائدُهُ كلبنٍ وثمرةٍ، وإنْ هلكَ عندَ المرتهنِ بلا تفريطٍ لمْ يلزمْهُ شيءٌ، أوْ بتفريطٍ ضمنهُ، ولا يسقطُ بتلفهِ شيءٌ منَ الدَيْنْ، والقولُ في القيمةِ قولهُ، وفي الردِّ قولُ الراهنِ. وفائدةُ الرهنِ: بيعُ العينِ عندَ الحاجةِ إلى وفاءِ الحقِّ، فإنْ امتنعَ الراهنُ منهُ ألزمهُ الحاكمُ إما الوفاءَ أو البيعَ، فإنْ أصرَّ باعها الحاكمُ. .بابُ التفليس: ولوْ وجدَ أحدهمْ عينَ مالهِ التي باعها لهُ، فإنْ شاءَ ضاربَ معَ الغرماءِ، وإنْ شاءَ فسخَ البيعَ ورجعَ فيها، إلا أنْ يمنعَ مانعٌ منَ الرجوعِ فيها، مثل أنْ تُسْتَحَقَّ بشُفعةٍ، أو رهنٍ، أو خُلِطَتْ بأجودَ، ونحوِ ذلكَ. ويُتركُ للمفلسِ دَسْتُ ثوبٍ يليقُ بهِ، وقوتُهُ وقوتُ عيالهِ يومَ القسْمةِ. .بابُ الحجرِ: والبلوغُ بالاحتلامِ أو باستكمالِ خمسَ عشرةَ سنة، أو بالحيضِ والحبلِ في الجاريةِ. واللهُ أعلمُ. .بابُ الحوالةِ: ولا تصحُّ على من لا دَين عليه، وتصحُّ بدَين لازمٍ على دين لازمٍ بشرطِ العلْمِ بما يُحالُ به وعليهِ، وتساويهما جِنْساً وقدْراً، وصحةً وتكسيراً، وحلولاً وأجلاً، ويَبراُ فيها المُحيلُ من دَين المُحتالِ، والمُحالُ عليهِ منْ دَينِ المُحيلِ، ويَتَحوَّلُ حقُ المُحتالِ إلى ذمَّةِ المُحالِ عليهِ. فإنْ تعذَّرَ على المُحتالِ أخذُهُ من المُحالِ عليهِ لِفَلَسِ المُحالِ عليهِ أو جَحْدهِ أو غيرِ ذلكَ لمْ يرجعْ إلى المُحيلِ. .بابُ الضمانِ: ويشترطُ أنْ يكونَ المضمونُ: ديْناً ثابتاً معلوماً، وأنْ يأتيَ بلفظٍ يقتضي الالتزامَ، كضمنتُ دينكَ أو تحمَّلتُهُ ونحو ذلكَ، ولا يجوزُ تعليقهُ على شرطٍ مثل: إذا جاء رمضانُ فقدْ ضمنتُ. ويصحُّ ضمانُ الدَّرَكِ بعدَ قبضِ الثمنِ، وهوَ أنْ يضمنَ للمشتري الثمنَ إذا خرجَ المبيعُ مستَحَقَّاً أو معيباً. وللمضمونِ لهُ مطالبةُ الضامنِ والمضمونِ عنهُ، فإنْ ضمِن عن الضامنِ ضامنٌ آخرُ طالبَ الكلَّ، وإنْ طالبَ الضامنَ فللضامنِ مطالبةُ الأصيلِ بتخليصهِ إنْ ضمنَ بإذنهِ، فإنْ أبرأَ الأصيلَ برئَ الضامنُ، وإنْ أبرأَ الضامنَ لمْ يبرأَ الأصيلُ، وإنْ قضى الضامنُ الدينَ رجعَ بهِ على الأصيلِ إنْ كانَ ضمنَ بإذنهِ، وإلا فلا، سواءٌ قضاهُ بإذنهِ أمْ لا. ولا يصحُّ ضمانُ الأعيانِ كالمغصوبِ والعواري. .[كفالةُ البدنِ]: .بابُ الشَرِكةِ: 1 - شركةُ العِنان: وإنما تصحُّ منها شركةُ العِنانِ خاصةً، وهي أن يأتيَ كلٌّ منهما بمالٍ، وتصحُّ على النقودِ وعلى مثليٍّ. ويُشترطُ أنْ يُخلطَ المالانِ بحيثُ لا يتميزانِ، وأنْ يكونَ مالُ أحدهِما من جنسِ مالِ الآخرِ وعلى صفتهِ، فلو كانَ لهذا ذهبٌ ولهذا فضةٌ، أو لهذا حنطةٌ ولهذا شعيرٌ، أو لهذا صحيحٌ ولهذا مكسَّرٌ لم يصحَّ. ويُشترطُ أن يأذنَ كلٌّ منهما للآخرِ في التصرُّفِ، فيتصرَّفُ كلٌّ منهما بالنظرِ والاحتياطِ، فلا يسافرُ بهِ ولا يبيعُ بمؤجَّلٍ، ولا يُشترطُ تساوي المالينِ، ويكونُ الربحُ والخسرانُ بينهُما على قدْرِ المالينِ، فإن شرَطا خلاف ذلكَ بطُلتْ، فإن عزلَ أحدُهُما الآخرَ عن التصرفِ انعزلَ، وللآخرِ التصرفُ إلى أنْ يعزلهُ صاحبهُ، ولكل منهما فسخُها متى شاءَ. 2 - شرك الأبدان: وأما شَرِكَةُ الأبدانِ فباطلةٌ، كشركةِ الحمَّالينَ وغيرهمْ من ذوي الحِرَفِ على أنْ يكونَ الكَسْبُ بينَهُمْ. 3 - وشركةُ الوجوهِ. 4 - والمفاوضةِ أيضاً باطلتانِ. .بابُ الوكالةِ: ويجوزُ التوكيلُ في العقودِ والفسوخِ والطلاقِ والعِتْقِ، وإثباتِ الحقوقِ واستيفائها، وفي تمليكِ المباحاتِ كالصيدِ والحشيشِ والمياهِ. وأما حقوقُ اللهِ تعالى: فإن كانتْ عبادةً لمْ تَجُزْ إلا في تَفْرِقةِ الزكاةِ والحجِّ وذبحِ الأضحيةِ، وإنْ كانَ حدَّاً جازَ في استيفائهِ دونَ إثباتهِ. وشَرطُها: الإيجابُ باللفظِ من غيرِ تَعليقٍ كوكَّلتُكَ أو بعْ هذا الثوبَ. والقبولُ باللفظِ أو الفعلِ وهو امتثالُ ما وُكِّلَ بهِ، ولا يُشترطُ الفوْرُ في القبول، فإنْ نجَّزها وعلَّقَ التصرُّفَ على شرطِ جازَ، كقولهِ: وكَّلتُكَ ولا تبِعْ إلى شهر. وليس للوكيلِ أنْ يوكِّلَ إلا بإذنه، أو كانَ مما لا يتولاّه بنفسهِ، أو لا يَتمكنُ منهُ لكثرتهِ، وليس له أن يبيعَ ما وُكِّلَ فيهِ لنفسهِ أو لابنهِ الصغيرِ، ولا بدونِ ثمنِ مثلهِ، ولا بمؤجَّلٍ، ولا بغيرِ نقْدِ البلدِ، إلا أن يأذنَ له في ذلك، ولو نَصَّ له على جنسِ الثمنِ فخالفَ لم يصحَّ البيعُ، كبعْ بألفِ درهم فباعَ بألفِ دينارٍ، وإن نصَّ على القدْرِ فزادَ منَ الجنسِ صحَّ، كبعْ بألفِ درهمٍ فباعَ بألفينِ، إلا أنْ ينهاهُ. ولو قال: اشْترِ بمئة، فاشترى ما تُساويها بدونِ مئة صحَّ، وإن اشترى بمئتينِ ما يساوي مئتين فلا، وإن قال: اشْترِ بهذا الدينار شاةً، فاشترى به شاتينِ تساوي كلٌّ واحدةٍ ديناراً صحَّ، وكانتا للموكِّلِ، فإن لم تساوي كلُّ واحدةٍ ديناراً لم يصحَّ العقدُ، وإن قال: بِعْ لزيدٍ، فباعَ لغيرهِ لم يَجُزْ، وإنْ قال: اشْترِ هذا الثوبَ فاشتراهُ فوجدهُ مَعيباً فله الرَدُّ، أو اشْتر ثوباً، لم يجُز شراءُ مَعيبٍ. ويُشترطُ كونُ الموكَّل فيه معلوماً من بعض الوجوهِ، فلو قال: وكلتكِ في بيعِ مالي وعِتْقِ عبدي وطلاقِ زوجاتي صحَّ، أو في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ، أو في كلِّ أموري لم يصحَّ. ويدُ الوكيلِ يدُ أمانةٍ، فما يتْلفُ معهُ بلا تفريطٍ لا يضمنُهُ، والقولُ في الهلاكِ والرَدِّ وما يُدَّعى عليهِ من الخيانة قولُهُ، ولكلٍّ منهما الفسخُ متى شاءَ، فإن عَزَلَهُ ولم يعلمْ فتصرَّفَ لم يصحَّ التصرُّفُ، وإن ماتَ أحدُهُما أو جُنَّ أو أُغمِيَ عليهِ انفسخَتْ. .بابُ الوديعةِ: ومن عَجَزَ عن حفظِ الوديعةِ حَرُمَ عليهِ قبولُها، وإن قَدَرَ ولم يَثِقْ بأمانةِ نفسهِ وخافَ أنْ يخونَ كُرهَ له أخذها، فإنْ وثِقَ استُحبَّ. ثم يَلزَمهُ الحفظُ في حِرْزِ مثلها، فإن أرادَ السفرَ أو خافَ الموتَ فليرَدَّها إلى صاحبها، فإن لم يجدْه ولا وكيلَهُ سلَّمها إلى الحاكمِ، فإنْ فُقِدَ فإلى أمينٍ، فإن لم يفعلْ فماتَ ولمْ يوصِ بها، أو سافرَ بها، ضَمنَها، فإن سلَّمها إلى أمينٍ مع وجودِ الحاكمِ ضَمِنَ، إلا أن يموتَ فجأةً، أوْ يقعَ في البلدِ نهبٌ أو حريقٌ ولمْ يتمكنْ من شيءٍ من ذلكَ فسافرَ بها. ومتى طلبها المالكُ لزمهُ الردُّ بأنْ يُخْلِيَ بينهُ وبينها، فإن أخَّرَ بلا عُذْرٍ، أوْ أودَعها عندَ غيرِهِ بلا سفرٍ ولا ضرورةٍ، أو خلطها بمالٍ لهُ أو للمودعِ أيضاً بحيثُ لا يتَمَيَّزُ، أو استعملها أو أخرَجها من الحِرْزِ ليَنتَفِعَ بها فلم يَنتفِعْ، أو حَفِظها في دونِ حِرْزِها، أو قال له المالكُ: احفظْها في هذا الحِرْزِ. فوضعها في دونهِ وهو حرْزُها أيضاً، ضَمِنَها. ولكلٍّ منهما الفسْخُ متى شاءَ، فإن ماتَ أحدُهُما أو جنَّ أو أُغميَ عليه انْفَسَخَتْ، ويدُ المودَعِ أمانةٌ، فالقولُ في أصلِ الإيداعِ أو في الرَّدِّ أو التلفِ قولُهُ، فلو قالَ: ما أودعتني شيئاً، أو ردَدْتُها إليكَ، أوْ تَلِفَتْ بلا تفريطٍ، صُدِّقَ بيمينهِ. ويُشترطُ لفظٌ منَ المُودِعِ كاستودعتُكَ واسْتَحْفَظْتُك، ولا يُشترطُ القَبولُ، بلْ يكفي القَبضُ. .بابُ العاريةِ: ويجوزُ إعارةُ كلِّ ما يُنتفعُ به مع بقاء عينهِ بشرطِ لفظٍ من أحدهما. وينتفعُ بحسَبِ الإذْنِ، فيفعلُ المأذونَ فيهِ أو مثلَهُ أو دونَهُ إلا أن ينهاهُ عن الغيرِ، فإن قالَ: ازرعْ حنطةً، جازَ الشعيرُ لا عكسُهُ، فإن قالَ: ازرعْ، وأطلقَ، زَرعَ ما شاءَ، فإنْ رجعَ قبلَ وقتِ الحصادِ بقيَ إلى الحصادِ، لكنْ بأجْرةٍ إن أذنَ مطلقاً، وبغيرها إن أذنَ في مُعيَّنٍ فزَرَعهُ. وإن قالَ: اغرِسْ أو ابنِ، ثم رجعَ، فإن كانَ شرَطَ عليهِ القلْعَ قَلَعَ، وإن لم يَشترِطْ واختارَ المُستعيرُ القلْعَ قَلَعَ، وإن لم يختَرْ فالمُعيرُ بالخيارِ بينَ تَبقِيَتِهِ بأجْرَةٍ وبينَ قَلْعِهِ وضَمانِ أَرْشِ ما نَقَصَ بالقَلْعِ. ولهُ الرجوعُ في الإعارةِ متى شاءَ، إلا أن يُعيرَ أرضاً للدفْنِ فإنهُ لا يرجعُ فيها ما لم يَبْلَ الميتُ. والعاريةُ مضمونةٌ، فإن تَلِفَتْ بغيرِ الاستعمالِ المأذونِ فيهِ ولو بغيرِ تفريطٍ ضَمِنها بقيمَتِها يومَ التَلَفِ، فإنْ تَلِفَتْ بالاستعمالِ المأذونِ فيهِ لم يَضْمَنْ، ومؤونةُ الرَّدِّ على المُستعيرِ، وليسَ لهُ أن يُعيرَ. .بابُ الغَصْبِ: فإن اختلفا في قدْرِ القيمةِ أوْ في التلفِ، فالقولُ قولُ الغاصبِ، أو في الردِّ فقولُ المالكِ، وإنْ ردَّهُ ناقصَ العينِ أو القيمةِ لعيبٍ، أو ناقِصهما ضمنَ الأَرْشَ، وإنْ نقَصَت القيمةُ بانخفاضِ السعرِ فقط لم يَلزمهُ شيءٌ، وإنْ كانَ لهُ منفعةٌ ضمِنَ أجرتهُ للمدةِ التي قامَ في يدهِ، سواءٌ انتفعَ بهِ أمْ لا، لكنْ لا يلزمُهُ مهرُ الجاريةِ المغصوبةِ إلا أن يطأها وهيَ غيرُ مطاوعةٍ. والمثليُّ هوَ ما حصرَهُ كيلٌ أو وزنٌ وجازَ فيهِ السَّلَمُ، كالحبوبِ والنقودِ وغيرِ ذلكَ. والمتقوِّمُ غيرُ ذلكَ، كالحيواناتِ والمختلطاتِ كالهريسةِ وغيرِ ذلكَ. وكلُّ يد ترتَّبت على يدِ الغصبِ فهي يدُ ضمانٍ، سواءٌ علمتْ بالغصْبِ أمْ لا، فللمالكِ أنْ يُضمِّنَ الأولَ والثاني، لكنْ إنْ كانت اليدُ الثانيةُ عالمةً بالغصبِ، أو جاهلةً وهيَ يدُ ضمانٍ كغَصْبِ عاريةٍ، أو لم تكنْ وباشرت الإتلافَ، فقرارُ الضمانِ على الثاني، أيْ: إذا غرَّمهُ المالكُ لا يَرجعُ على الأولِ، وإنْ غَرِمَ الأولُ رجعَ عليهِ، وإنْ جَهِلَت الغصبَ وهيَ يدُ أمانةٍ كوديعةٍ، فالقرارُ على الأولِ، أيْ: إذا غرِمَ الثاني رجعَ على الأولِ، وإنْ غرِمَ الأولُ فلا. وإنْ غَصَبَ كلباً فيهِ منفعةٌ، أوْ جلْدَ ميتةٍ، أوْ خمراً منْ ذمِّيٍّ أوْ منْ مسلمٍ وهيَ محترَمَةٌ لزمَهُ الردُّ، فإنْ أتلفَ ذلكَ لمْ يضمنْهُ، فإنْ دُبغَ الجلدُ أوْ تخللت الخمرةُ فهما للمغصوبِ منهُ. .بابُ الشُّفْعَةِ: ويُشترطُ اللفظُ: كتملَّكْتُ أوْ أخذْتُ بالشفْعةِ، ويجِبُ معَ ذلكَ: إما تسليمُ العوَضِ إلى المشتري، أوْ رضاهُ بكونهِ في ذمةِ الشفيعِ، أوْ قضاءُ القاضي لهُ بالشُفْعةِ، فحينئذٍ يملِكُ. فإنْ كانَ ما بذلهُ المشتري مثلياً دفعَ مِثْلَهُ، وإلا فقيمتُهُ حالَ البيعِ، أما المِلكُ المقسومُ، أو البناء والغِراس إذا بيعا منفردَيْنِِ، أو ما تبطُلُ بالقِسْمة منفعتُهُ المقصودةُ، كالبئرِ والطريقِ الضيقِ، أو ما مُلِكَ بغيرِ معاوضةٍ كالموهوبِ، أو ما لمْ يُعلمْ قَدْرُ ثمنهِ، فلا شُفعةَ فيهِ، وإنْ بيعَ البناءُ والغراسُ معَ الأرضِ أخذهُ بالشُفعةِ تبعاً لها. والشُفعةُ على الفورِ، فإذا عُلمَ فليبادرْ على العادةِ، فإنْ أخَّرَ بلا عُذرٍ سقطتْ، إلا أنْ يكونَ الثمنُ مؤجلاً فيتخيرُ، إنْ شاءَ عجَّلَ وأخذَ، وإنْ شاءَ صبرَ حتى يحلَّ ويأخذَ. ولوْ بلغهُ الخبرُ وهوَ مريضٌ أوْ محبوسٌ فليوكِّلْ، فإنْ لمْ يفعلْ بطُلت، فإنْ لمْ يقدرْ أوْ كانَ المُخبِرُ صبياً، أوْ غيرَ ثقةٍ، أوْ أُخْبِرَ وهو مسافرٌ فسافرَ في طلبهِ فهوَ على شُفعتِهِ. وإنْ تصرَّفَ المشتري فبنى أوْ غرسَ، تَخَيَّرَ الشفيعُ بينَ تَملُّكِ ما بناهُ بالقيمةِ وبينَ قلْعهِ وضمانِ أرْشِهِ، وإنْ وهبَ المشتري الشِّقْصَ، أو وَقَفَهُ، أو باعهُ، أو ردَّهُ بالعيبِ، فلهُ أنْ يفسخَ ما فعلهُ المشتري، ولهُ أنْ يأخذَ منَ المشتري الثاني بما اشترى بهِ. وإذا ماتَ الشفيعُ فللورثةِ الأخذُ، فإنْ عفا بعضُهُمْ أخذَ الباقونَ الكلَّ أوْ يدَعون.
|